صالح النعامي
إقتصرت التحليلات العربية التي تناولت تداعيات التقرير النهائي للجنة " فينوغراد " التي حققت في أسباب الفشل الإسرائيلي في حرب لبنان الأخيرة على انعكاسات هذا التقرير على صعيد البيئة السياسية الإسرائيلية الداخلية؛ مع أن لهذا التقرير قد يكون تأثير حاسم على صعيد تعاطي اسرائيل المستقبلي مع العالم العربي، وتحديداً الأطراف التي في حالة صراع فعلي مع الكيان الصهيوني. فكل من يتمعن ما جاء في التقرير قد يصل الى استنتاج مفاده أن هذا التقرير يحرض الحكومة الحالية والحكومات الإسرائيلية القادمة على شن العدوان على الأطراف العربية. فمعدو التقرير وبخوا بشكل واضح قيادة الجيش لأنها امتنعت خلال الحرب عن القيام بالكثير من العمليات العسكرية خوفا من أن تؤدي الى هذه العمليات الى الحاق خسائر في الأرواح في صفوف جيش الاحتلال. وواصل التقرير توبيخه منوهاً الى أن الجيش الصهيوني تخلى عن مبدأين أساسيين، وهما: التشبث بإنجاز المهمة، والسعي لتحقيق نصر واضح وجلي على العدو. ومن باب النقد والتقريع، نوه التقرير الى أن الحرب الأخيرة قد دلت على أن المجتمع الإسرائيلي غير جاهز لسقوط عدد كبير في أوساط جنوده في أي مواجهة مع الأطراف العربية، الأمر الذي ادى الى فشل إسرائيل في الحرب، بحيث لم تحقق النصر حتى بالنقاط فيها، بسبب اداء الجيش وقيادته المثير للإشكال. واستهجن التقرير كيف يعجز الجيش الاسرائيلي الذي يعتبر الجيش الأقوى في منطقة الشرق الاوسط عن تحقيق النصر على قوة عسكرية هامشية مثل حزب الله التي واصلت اطلاق الصواريخ على شمال اسرائيل حتى اليوم الاخير من الحرب.
واضح تماماً أنه التقرير يدعو بشكل غير مباشر الى أن يقدم الجيش على عمليات عسكرية ضد الأطراف العربية في المستقبل حتى لو كان ذلك مقترن بسقوط عدد كبير من القتلى في الجانب الاسرائيلي. ليس من الواضح كيف سيتعامل المستوى السياسي والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية مع هذا التوبيخ، لكن في كل الأحوال، فأن معدي التقرير دعوا بشكل غير مباشر الجيش الى عدم التردد والقيام بعمليات ذات درجة خطورة عالية. اللافت أن هذا التقرير قد صدر في ذروة الجدل الذي يحتدم في اسرائيل حول صورة المعالجة العسكرية التي يتوجب على اسرائيل القيام بها من اجل وقف اطلاق الصواريخ من قطاع غزة على إسرائيل. ويتناول هذا الجدل بشكل اساسي إمكانية شن حملة واسعة تؤدي الى اعادة احتلال القطاع أو على الأقل أجزاء كبيرة منه. حتى الآن، فأن الجيش وكذلك المستوى السياسي يترددان في إصدار التعليمات بشن هذه الحملة خشية أن تؤدي الى سقوط خسائر كبير في ارواح الجنود. وإذا احتكم صناع القرار في إسرائيل الى ما جاء في تقرير " فينوغراد "، فأن عليهم ألا يترددوا ويشنوا الحملة على غزة، أن كان من المحتمل أن تساهم في وضع حد لعمليات اطلاق الصواريخ على التجمعات الاستيطانية التي تقع في محيط القطاع. وما ينطبق على قطاع غزة، ينطبق على التعاطي مع حزب الله وسوريا وايران.
ثمن الإستقرار السياسي
رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت الصعداء تنفس الصعداء بعد أن منحه تقرير " فينوغراد حكماً ب " البراءة " من المسؤولية عن الفشل في المرحلة الأخيرة من الحرب، وهو ما جعل المعارضة اليمينية في حالة صدمة بعد أن تهاوت آمالها في أن يمهد التقرير الى اسقاط أولمرت واجراء انتخابات مبكرة قد تحمل اليمين واليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو للحكم مجدداً. وأن كان التقرير قد انتقد بشكل واضح الطريقة التي اتخذ بها اولمرت قرارته خلال الحرب، إلا أنه في المقابل برأه من المسؤولية عن فشل الحملة البرية التي شنتها اسرائيل في الستين الساعة الاخيرة من الحرب، حيث اعتبر التقرير أن اولمرت وافق على شن الحملة لدواعي موضوعية وبعد أن تشاور مع الكثير من رجال الإختصاص. وكانت هذه العبارة قد مثلت ضربة قوية للمعارضة اليمينية التي ظلت تزعم أن اولمرت امر بالحملة البرية في محاولة يائسة لتحقيق نصر لتعزيز مكانته الشخصية، مع العلم أنه في هذه الحملة وحدها قتل 33 جندياً. وقد ساهم التقرير في استقرار حكومته أولمرت رغم كل التوقعات السابقة بأنه سيعمل على تقصير اجلها بشكل كبير، حيث اعلن زعيم حزب العمل ووزير الحرب ايهود براك أنه وحزبه سيواصلان الشراكة في حكومة أولمرت. " تبرئة " اولمرت اثلجت صدر براك الذي كان يبحث عن مسوغ للبقاء في الحكومة. فبراك الذي وعد الجمهور الصهيوني في السابق بالانسحاب من الحكومة في حال حمل التقرير المسؤولية لاولمرت على فشل الحرب، كان يعتقد في حينه أنه هو الذي سيحصد معظم الأسهم بعد استقالة اولمرت، مستغلاً وجوده في منصب وزير الحرب، وتبنيه مواقف متشددة من الفلسطينيين والسوريين وغيرها. ومن اجل ذلك حرص براك على اصدار العديد من التصريحات النارية المتطرفة ضد الفلسطينيين وضد العرب، واعلن اكثر من أن حملة عسكرية على قطاع غزة قاب قوسين او ادنى. لكن الذي صعق براك هو حقيقة أن استطلاعات الرأي العام تؤكد أن شعبيته تراوح مكانها وأنه في حال اجريت الانتخابات، فأن زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو هو الذي سيجرف النتائج، من هنا فأن براك تنفس الصعداء مثل اولمرت من نتائج التقرير.
اولمرت وبراك يعتقدان أن استقرار ائتلافهما الحاكم يتطلب عدم اثارة حفيظة حركة شاس التي تشارك فيه والتي تعارض أي مفاوضات مع ابو مازن، من هنا فأن أولمرت هدأ من روع شاس وقادتها وابلغهم بشكل لا يقبل التأويل أنه لن يبحث مع ابو مازن أي من قضايا الحل الدائم.
وخلاصة القول أن تقرير فينوغراد سيدفع إسرائيل لتكون اكثر عدوانية وأقل استعداداً للتسوية