كيف تطلب العلم وتصبح عالماً أو مثقفاً ؟

كيف تطلب العلم وتصبح عالماً أو مثقفاً ؟

كثير من الدارسين وطلاب العلم يصرفون أوقاتاً طويلة واخرى ضائعة في طلبهم للعلم الشرعي ، ولا يحصلون من العلوم في الفترة الطويلة ما يحصله غيرهم في فترة أقصر ، وكثير من الشباب يقرؤون قراءات متنوعة تارة في الفقه وتارة في الحديث وتارة في التفسير ، ويحضرون مجالس أهل العلم ، أو يستمعون الى الخطب والمحاضرات ، ومع هذا لا تجد عندهم علماً مؤصلاً تأصيلاً منضبطاً ينسجون على منواله ويفرعون المسائل ويلحقون الاشباه بنظائرها، ولعل السبب في ذلك يرجع الى عدم معرفتهم ( بالمنهج الصحيح ) في طلبهم للعلم ، فطالب العلم عليه أن يسلك منهجاً واضحاً محدداً يسير عليه في كل مراحل الطلب لكي يكون طالباً ناجحاً وموفقاً لكيلا يصيبه الملل أو الضجرأو الفتور فيترك القراءة ، ويضعف تمييزه بين الامور وتضعف قدرته على النظر والتحليل ، وعلى العموم على القاريء أو طالب العلم أن يتصف بخصلتين : ( الاولى ) أن يسير على المنهج الذي سار عليه العلماء ( والثانية ) أن يوطن نفسه على طلب العلم بجدية وتفانٍ وأن ينفق وقته في سبيل ذلك . فطالب العلم يحتاج الى صبر وعزيمة ، وعليه أن لا يستعجل قطف الثمار قبل أوانها ، وعليه أن يعلم أن تأثير العلم فيه انما يكون بالتدريج كتأثير قطرات الماء بالصخر فانها تنحته شيئاً فشيئاً .. وهنا ياتي السؤال : ما هي الطريقة المنهجية الصحيحة في طلب العلم ؟ وللاجابة عن هذا السؤال نقول : ( أولاً ) على طالب العلم ان يتحلى بالصفات الأخلاقية اللازمة والضرورية لكي يبارك الله له في علمه ، ويفتح عليه من أسراره ، وعلى رأس هذه الصفات :
- الاخلاص لله تعالى في طلب العلم ، لان طلب العلم عبادة من العبادات ، والاخلاص شرط فيها وفي قبولها ، فعليه أن يحذر من الرياء وطلب السمعة ، كأن يشار اليه بالبنان فيقال : فلان عالم أو طالب علم مبرز أو أن يكون خطيباً مفوهاً ، أو اماماً متبعاً ، وعليه أن يحذر من المراء والجدال في بداية الطلب ، وأن لا ينوي به عرضاً من الدنيا أو حطاماً من حطامها ، وانما عليه أن يخلص النية لله في تعلمه ودراسته وأن يقصد بذلك وجه الله والتخلص من الجهالة وأن يعبد الله على بصيرة.
( ثانياً ) أن يكون رفيقاً ومترفقاً في طلب العلم ، بأن لا يطلبه جملة أو دفعة واحدة فمع أن هذا متعذر لان العلم بحر لايدرك غوره، فهو مخالف أيضاً لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " ان الله يحب الرفق في الامر كله " وقوله أيضاً : " ما كان الرفق في شيء الا زانه " .
قال الامام الزهري : " من رام العلم جملة ذهب عنه جملة ، وانما العلم يطلب على مر الايام والليالي " .
فاجتماع مسائل وصور العلم في ذهن الطالب انما تأتي بالتدريج كالسيل فانه متولد من اجتماع نقط الماء ..
والتدرج في بلوغ الاهداف والاماني سنة من سنن الكون فمن اراد التهام العلم دفعة واحدة ضاق عقله عن تحمل ذلك وربما أصابه خلل عقلي !! ثم انه مجانب لسنن الكون !
فليس صحيحاً اذا أراد أن يتعلم التفسير - مثلاً-أن يقرأ ( تفسير الطبري ) من أوله الى آخره ، لان نتيجة ذلك اذا سألته عن تفسير آية أو سورة أنه لا يجيبك بشيء لانه لم يعلق في ذهنه الا القليل ، وهذه طريقة خاطئة في قراءة التفسير . وكذلك اذا أراد أن يقرأ الحديث فليس صحيحاً أن يقرأ كتاب ( فتح الباري ) لابن حجر العسقلاني ثم يأتي ويقول : انتهيت من قراءة الحديث .. هذا خطأ لان المعلومات التي عنده متناثرة متفرقة لا يجمعها جامع ولا يضبطها ضابط ، وهي دراسة أصطلح على تسميتها بـ " الدراسة الفوقية " فهو لا يفهم من الكلام الا ظاهره او سطحه ، فهو كالنقش على الماء لا يلبث أن يزول .
نعم قد يحتاج الطالب مراجعة هذه المطولات في مسألة خاصة يريد بحثها ، لكن لا ينبغي أن يقرأها سرداً يمر عليها ..
ومما له تعلق بالترفق : على طالب العلم ان لا يهتم كثيراً بـ ( الدقائق والتفصيلات ) لان في ذلك مضيعة للعمر ، ومذهبة للوقت في غير فائدة ، فترى بعض الطلاب يقضون الساعات في دراسة جزئية دقيقة حار العلماء فيها ، ويحسبون أنفسهم قد تعلموا ! أبداً .. هذه طريقة غير منهجية وغير مفيدة ، وقد قال الله تعالى : {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }[آل عمران : 79] والرباني كما فسره الامام البخاري من يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، أي يبدأ بالاصول والكليات والامور الواضحة ثم يتدرج شيئاً فشيئاً الى التفصيلات والامور الكبيرة والشائكة ..
( ثالثاً ) أن يكون محباً للعلم شغفاً به ، وأن يكون مواصلاً في طلب العلم ، فيعطيه احلى أوقاته وأغلاها ، لا أن يجعل للعلم ( الاوقات الميتة ) التي كل فيها ذهنه ، وضعف فيها فهمه ، فهذا قد غش نفسه وما نصحها . فعليك أخي طالب العلم بالسهر والكد والتعب في تحصيل العلم ودراسته ، وعليك أن تخصص له جل أوقاتك اذا أردت أن تكون طالب علم بحق ، وقد قيل قديماً : " العلم اذا أعطيته كلك أعطاك بعضه " !
على طالب العلم أن يكون مشغولاً بالعلم ، ينام والى جانبه كتب العلم فلرب مسألة طرأت عليه فتراه يقوم من نومه يراجعها ، ولهذا قيل : " اذا رأيت كتب طالب العلم مرتبة فاعلم أنه هاجر لها " ! ، ومن المفيد هنا الاشارة الى أهمية ( تنظيم الوقت ) فعلى الطالب أن ينظم وقته ، ولا يفعل كما يفعل البعض فيجعل من يومه وقتاً للقراءة ، لان طالب العلم ما عنده وقت للقراءة ووقت للهو واللعب .. كلا .. فوقته كله للعلم ليس الا .. ومن نظر في حال علمائنا الأوائل انتابه العجب ، ويكفي أن الامام ابن عقيل كان يقول : " أني لاستغفر الله من أوقات قضيتها في الحمَّام " لانه المكان الوحيد الذي لا يقرأ فيه ولا يذكر فيه !
وللأسف فان بعض مجالسنا اليوم تذهب الاوقات فيها هدراً في نقاش أمور معاشية أو في معصية الله كالغيبة والنميمة وقال فلان والشيخ الفلاني كذا والمسجد الفلاني كذا وهذا نسمعه من بعض طلبة العلم فما بالك بعوام الناس ؟!
( رابعاً ) أن لا يستكبر الطالب أو يستنكف من أخذ العلم عمن هو دونه أو أصغر منه سناً ، فقد أخذ سليمان عليه السلام من الهدهد ، وأخذ الصحابة رضي الله عنهم من ابن عباس وكان غلاماً صغيراً أو شاباً يافعاً اذا ما قورن بشيوخ الصحابة وكبارهم ..
فمن أتاك بفائدة ، أو أشكل عليك باشكال معين فأرعه سمعك واصغ اليه فانه قد يفتح عليك باباً من العلم كان قد غاب عنك .

زائر